سورة المؤمنون - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


يقول الحق جل جلاله: {ما اتخذَ الله من ولدٍ}، خلاف ما يقوله النصارى، والعرب التي قالت: للملائكة بنات الله، تعالى عن قولهم علواً كبيراً، {وما كان معه من إلهٍ} يُشاركه في ألوهيته، كما يقول عبدة الأوثان وغيرهم، {إذاً لذهب كل إله بما خلق} أي: لو كان معه آلهة، كما يزعمون، لذهب كل واحد منهم بما خلقه واستبد به؛ ليتميز ملكه من ملك الآخر، ووقع بينهم التغالب والتحارب، كما هو الجاري بين الملوك، {ولعلا بعضُهم على بعضٍ}: ولغلب بعضهم على بعض، وارتفع عليه، كما ترون حال ملوك الدنيا؛ ممالكهم متمايزة وهم متغالبون، وحين لم تروا أثراً لتمايز الممالك والتغالب؛ فاعلموا أنما هو إله واحد.
قال ابن جُزَيّ: وليس هذا البرهان بدليل التمانع، كما فهم ابن عطية وغيره، بل بدليل آخر. وقال في قوله: {لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا}: قال كثير من الناس: إنه دليل التمانع الذي أورده المتكلمون، والظاهر من اللفظ أنه استدلال آخر أصح منه. ه قال النسفي: ولا يقال: {إذاً} لا تدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب، وهو هنا وقع لذهب؛ جزاءً وجواباً، ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل؛ لأن الشرط هنا محذوف، تقديره: لو كان معه آلهة كما يزعمون لذهب... إلخ، دل عليه: {وما كان معه من إله}، وهو جواب لمن حاجّه من المشركين. اهـ.
{سبحان الله عما يصفون} من الأنداد والأولاد، {عالِمِ الغيبِ والشهادةِ} أي: السر والعلانية، أو ما ظهر من حس الأكوان، وما غاب فيها وعنها، فمن جرّ {عالم}؛ فبدل من الجلالة، او صفة له، ومن رفعه؛ فخبر عن مضمر، أي: هو عالم. {فتعالى عمّا يُشركون} من الأصنام وغيرها، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ فإنَّ تفرده تعالى بالألوهية والعلم المحيط، موجب لتعاليه عن أن يكون له شريك. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ثلاثة إذا تعددت فسد النظام: الإله والسلطان والطبيب؛ فلو تعدد الإله لفسد نظام العالم ولو تعدد الْملك لفسدت الرعية بالهرج والفتن ولو تعدد الطبيب لفسد العلاج. والطبيب على قسمين: طبيب الأبدان وطبيب القلوب وهو شيخ التربية فإذا تعدد على مريد واحد فسدت تربيته؛ لانقسام محبته واختلاف علاجه فالمريد إذا علق قلبه بغير شيخه لا ينهض نهوض من جمع همته على شيخه بل لا يجيء منه شيء. والله تعالى أعلم.
قال القشيري: كل أمر نِيطَ بين اثنين انتفى عنه النظام وصحةُ التربية. اهـ. وقال الورتجبي: نزه الحق- سبحانه- ذاته عن مخايل الزنادقة، وكان منزهاً عن أباطيل إشارة المشبهة، وذاته ممتنعة بكمال أحديته، عن زعم الثنوية، كيف يجوز أن يكون القِدم محل الحوادث؛ إذ القديم المنزه، إذا تجلى بنعت القدم للحدثان، صار معدوماً كالعدم، تعالى الله عن كل وهْم وإشارة. اهـ.


يقول الحق جل جلاله: {قل ربّ إِما تُرِيَنَّي} أي: إذا كان لا بد أن تريني ما يوعدون من العذاب المستأصل في الدنيا أو عذاب الآخرة، {ربِّ فلا تجعلني في القوم الظالمين} أي: قريباً لهم فيما هم فيه من العذاب، وفيه إيذان بفظاعة ما وُعدوه من العذاب، وأنه يجب أن يستعيذ منه مَن لا يكاد أن يحيق به، وردٍّ لإنكارهم إياه واستعجالهم على طريقة الاستهزاء، وقيل: أمر به صلى الله عليه وسلم هضماً لنفسه، وقيل: إن شؤم الكفرة قد يحيق بمن وراءهم؛ كقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً...} [الأنفال: 25] إلخ، ورُوي عن الحسن (أنه- تعالى- أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن في أمته نقمة، ولم يطلعه على وقتها، فأمر بهذا الدعاء) ويجوز أن يسأل النبيُّ المعصوم ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله؛ إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه. والفاء: جواب إما الشرطية، أي: إن نزلت بهم النقمة فاجعلني خارجاً عنهم، وتكرير النداء، وتصدير كل من الشرط والجزاء به- أي: بالدعاء-؛ لإبراز كمال الضراعة والابتهال.
قال تعالى: {وإِنا على أن نُّرِيَكَ ما نَعِدُهم} من العذاب {لقادرون}، ولكنا نؤخره؛ لعلمنا بأن بعضهم، أو بعض أعقابهم، سيؤمنون، أو: لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم، وقيل: قد أراهم ذلك، وهو ما أصابهم يومَ بدر وفتح ومكة، وهو بعيد؛ لأن المبادر أن يكون ما استحقوه من العذاب الموعود عذاباً هائلاً مستأصلاً لا يظهر على يديه صلى الله عليه وسلم؛ للحكمة الداعية إليه، وكانوا يضحكون، استهزاءً بهذا الوعد، وإنكاراً له، فقال لنبيه- عليه الصلاة والسلام-: {ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ} أي: ادفع الخصلة السيئة بالخصلة التي هي أحسن، وهو الصفح عنها والإحسان في مقابلتها، لكن بحيث لا يؤدي إلى وَهَنٍ في الدين وإهانةٍ له. وقيل: السيئة: الشرك، والتي هي أحسن: كلمة التوحيد، وقيل: السيئة: المنكر، والتي هي أحسن: النهي عنه، وقيل: هي منسوخة بآية السيف، وقيل: محكمة؛ إذ المداراة مأمور بها. قال ابن عطية: أمر بمكارم الأخلاق، وما كان منها بهذا المعنى، فهو محكم باق في الأمة أبداً، وما كان بمعنى المواعدة فمنسوخ بآية القتال. اهـ.
وهذا التركيب أبلغ من ادفع بالحسنة السيئة؛ لما فيه من التنصيص على التفضيل، وتقديم الجار والمجرور على المفعول؛ للاهتمام. {نحن أعلم بما يصفون} من الشرك والولد، أو بما يصفك به، مما أنت على خلافه، من السحر وغيره، فسنجازيهم عليه، وفيه وعيد لهم، وتسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، وإرشاد له إلى تفويض أمره إليه تعالى والاكتفاء بعلمه.
{وقل ربِّ أعوذُ بك من هَمَزاتِ الشياطين} أي: وساوسهم المغرية على خلاف ما أمرت من المحاسن، التي من جملتها دفع السيئة بالحسنة، وأصل الهمز: النخس، ومنه: مهماز الرائض، شبه حثهم للناس على المعاصي بهمز الرائض الدوابَّ على الإسراع والوثب.
وجَمَعَ همزات؛ لتنوُّع الوساوس وتعدد المضاف إليه، {وأعوذ بك ربِّ أن يحضرون}، أمر بالتعوذ من نخساتهم بلفظ المبتهل إلى ربه، والتعوذ من أن يحضروه أصلاً في حال من الأحوال؛ مبالغة في التحذير من ملابستهم، أو أن يحضروه عند التلاوة أو الصلاة، أو عند النزع؛ تشريعاً. وإعادة الفعل، مع تكرير النداء؛ لإظهار كمال الاعتناء بالمأمور به.
ولا تزال الكفرة تصف الحق بما لا يليق به من الشرك، {حتى إذا جاء أحدَهم الموتُ} أي: لا يزالون مشركين حتى يموتوا، فحتى، هنا، ابتدائية، دخلت على جملة الشرط، وهي متعلقة بيصفون، وما بينهما اعتراض مؤكد للإغضاء، لكن لا بمعنى أنه العامل فيه؛ لفساد المعنى، بل بمعنى أنه معمول لمحذوف دل عليه ذلك، أي: تنزيهاً له تعالى عما يصفون، ويستمرون على الوصف المذكور، حتى إذا جاء أحداً منهم الموت الذي لا مرد له، وظهرت له أحوال الآخرة، {قال}؛ تحسراً على ما فَرَّطَ فيه من الإيمان والطاعة: {ربِّ ارجعون} أي: ردني إلى الدنيا، والواو؛ لتعظيم المخاطب، كخطاب الملوك، {لعلي أعملُ صالحاً فيما تركت} أي: في الإيمان الذي تركته، أو في الموضع الذي تركت فيه الإيمان والطاعة؛ وهو الدنيا؛ لأنه ترك الدنيا وصار إلى العقبى.
قال قتادة: ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا عشيرة، ولكن ليتدارك ما فرط.
وعنه، صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذَا عَايَنَ المؤمن المَلائِكَةَ قَالُوا له: نُرجِعُكَ إلى الدُّنْيا؟ فَيَقُولُ: إِلَى دارِ الهُمومِ والأحْزانِ؟ بَلْ قُدُوماً إلى اللهِ تبارك، وتعالى، وأمَّا الكافر فَيقُولُ: ارجعون لعلي أعملَ صالحاً...» وقال القرطبي: ليس سؤالُ الرجعة مختصاً بالكافر، فقد يسألها المؤمن، كما في آخر سورة المنافقين، ودلت الآية على أن أحداً لا يموت حتى يعرف: أهو من أولياء الله أم من أعداء الله، ولولا ذلك لما سأل الرجعة، فيعلم ذلك قبل نزول الموت وذواقه. اهـ. قال المحشي الفاسي: ولعل محمل الحديث في المؤمن الكامل غير المقصِّر، والآية في غيره. والله أعلم. اهـ.
{كَلاَّ} أي: لا رجوع له أصلاً، وهو ردع عن طلب الرجعة، واستبعاد لها، {إِنها} أي: قوله: {رب ارجعون}، {كلمةٌ}، والمراد: طائفة من الكلام، وهو {ربِّ ارجعون...} إلخ، {هو قائلها}، ولا فائدة له فيها، ولا حقيقة لها؛ لعدم حصول مضمونها، أو هو قائلها لا محالة؛ لتسليط الحسرة والندم عليه، فلا يقدر على السكوت عليها، {ومن ورائهم} أي: أمامهم، والضمير للجماعة؛ لأن أحدهم بمعنى كلهم، {برزخٌ}: حائل بينهم وبين الرجعة، {إلى يوم يُبعثون}: يوم القيامة، وهو إقناط كلي عن الرجوع إلى الدنيا، لما علِم أنه لا رجعة يوم القيامة إلى الدنيا، وإنما الرجوع فيه إلى الحياة الأخرية.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: ما قاله صلى الله عليه وسلم في تضرعه إلى الله تعالى- كما أمره الحق تعالى- يقوله كل عارف ومتيقظ، فيقول: ربِّ إما تُريني ما يُوعدهُ أهل الغَفلة والبطالة من التحسر والندم، عند انقراض الدنيا وإقبال الآخرة، فلا تجعلني في القوم الظالمين، أي: لا تسلك بي مسلكهم حتى أتحسر معهم فإذا أوذي في الله- كما هو شأن أهل الخصوصية- يقال له: ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ، وقابل الإساءة بالإحسان، وإياك والانتصار لنفسك، وتعوذ بالله من همزات الشياطين، إن قامت عليك نفسك وأرادت الانتصار، كما هو شأن أهل الغفلة، في كونهم منهمكين في الغفلة، مملوكين في أيدي أنفسهم، مستمرين على ذلك، حتى إذا حضر أجلهم طلبوا من الله الرجعة، هيهات هيهات، {كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100]، وفي الأثر: «ما منكم من أحد إلا وسيندم عند الموت، إن كان محسناً أن لو زاد، وإن كان مسيئاً أن لو تاب» أو كما قال.
ولأجل هذا المعنى شد أهل اليقظة الحُزُم، وشمروا عن ذراعهم في طاعة مولاهم، وعمروا أوقاتهم بما يقربهم إلى محبوبهم، وتنافسوا في ذلك أيَّ تنافس، وفي ذلك يقول القائل:
السِّباقَ السِّباقَ قولاً وفِعْلاً *** حَذِّرِ النَّفْس حَسْرَة المسْبُوقِ
وكان بعض العباد حفر قبراً في بيته، فإذا صلى العشاء دخل فيه، وقرأ: {قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً...} الآية، فيقول لنفسه: ستطلبين الرجعة ولا تُمكنين منها، وأنت اليوم متمكنة من الرجوع، قومي إلى خدمة مولاك، قبل أن يحال بينك وبينها، فيبيت قائماً يُصلي. وهكذا شأن اهل اليقظة؛ يُقدمون الندم والجد قبل فوات إبَّانِهِ. أعاننا الله على اغتنام طاعته، وما يقربنا إلى حضرته. آمين.


يقول الحق جل جلاله: {فإذا نُفخ في الصور} لقيام الساعة، وهي نفخة البعث والنشور، وقيل: فإذا نفخ في الأجسادِ أرواحها، على أن الصور جمع صورة، ويؤيده القراءة بفتح الواو مع الضم، وبه مع كسر الصاد. {فلا أنساب بينهم يومئذٍ} تنفعهم، لزوال التراحم والتعاطف بينهم؛ من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة، بحيث يفر المرءُ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. قال ابن عباس: (لا يفتخرون بالأنساب والأحساب في الآخرة، كما كانوا يفتخرون في الدنيا) {ولا يتساءلون} لا يسأل بعضهم بعضاً؛ لاشتغال كل منهم بنفسه، ولا يناقضه قوله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} [الصافات: 27]؛ لأن هذا- أي: سكوتهم- عند ابتداء النفخة الثانية، وذلك بعدها؛ لأن يوم القيامة ألوان، تارة يبهتون ولا يتساءلون، وتارة يفيقون، فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وقال ابن عباس: إنما عنى النفخة الأولى، حين يصعق الناس، {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون}، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: 68]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}. نقله الثعلبي.
{فمن ثَقُلَتْ موازينهُ} أي: موزونات حسناته من العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة، {فأولئك هم المفلحون}؛ الفائزون بكل مرغوب، الناجون من كل مرهوب، {ومن خفت موازينهُ} أي: ومن لم يكن له من العقائد والأعمال ما يوزن- وهم الكفار- لقوله: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً} [الكهف: 105]، وتقدم ما فيه. {فأولئك الذين خسروا أنفسهم}: ضيعوها بتضييع زمان استكمالها، وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها، {في جهنم خالدون}، وهو خبر ثان لأولئك، أو بدل من الصلة، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (يؤخذ بيد العبدِ أو الأمة يوم القيامة، فينصب على رؤوس الأولين والآخرين، ثم ينادي مناد: هذا فلان بن فلان، من كان له حق فليأت إلى حقه، فتفرح المرأة أن يدور لها الحق على ابنها، أو على زوجها، أو على أبيها، أو على أخيها، ثم قرأ ابن مسعود: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون}، ثم يقول الرب تعالى: آت هؤلاء حقوقهم، فيقول ربِّ، فنيت الدنيا؛ فمن أين آتيهم؟ فيقول للملائكة: خذوا من حسناته فأعطوا كل إنسان بقدر طلْبته...) إلخ الحديث، انظر النسفي.
قال تعالى: {تلفح وجوهَهُم النار}؛ تحرقها، واللفح كالنفخ، إلاَّ أنه أشد تأثيراً منه، وتخصيص الوجوه بذلك؛ لأنها أشرف الأعضاء. {وهم فيها كالحون}: عابسون من شدة الإحراق، والكلوح: تقلص الشفتين من الإنسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم في كالحون: «تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقلَّص شَفَتَهُ العُلْيَا، حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأَسِهِ، وَتَسْتَرخِي السُّفْلَى حَتَّى تَبْلُغَ سُرَّته» فيقال لهم- تعنيفاً وتذكيراً لما به استحقوا ما ابتلوا به: {ألم تكن آياتي} أي: القرآن {تُتْلَى عليكم} في الدنيا {فكنتم بها تُكذِّبون} حينئذٍ، فذوقوا وبال ما كنتم به تكذبون.
نسأل الله التوفيق والهداية.
الإشارة: قال الترمذي الحكيم: الأنساب كلها منقطعة إلا من كانت نسبته صحيحة في عبودية ربه، فإن تلك نسبة لا تنقطع أبداً، وتلك النسبة المفتخر بها، لا نسبة الأجناس من الآباء والأمهات والأولاد. اهـ. وقال الورتجبي: عند المعاينة والمشاهدة بوجوده ونشر جوده، نسبهم هناك نسب المعرفة والمحبة الأزلية، واصطفائيته القدسية، لا يفتخرون بشيء دونه، من العرش إلى الثرى، ولا يتساءلون؛ شغلاً بما هم فيه. اهـ.
ومعنى كلام الشيخين: أن العبد، إذا صحت نسبته إلى مولاه، وانقطع بكليته إليه، ورفض كل ما سواه، اتصلت نسبته، ودامت محبته وأنسه، ومن تعلق بغيره، وتودد إلى سواه، انقطع ذلك وانفصل، ومن النسب التي تتصل وتدوم، النسبة إلى أولياء الله، والتحبب إليهم وخدمتهم، وهي في الحقيقة من نسبة الله تعالى؛ لأنها سبب معرفته والتحقق بعبوديته، فهي عينها، فمن انتسب إليهم فقد انتسب إلى الله، ومن أحبهم فإنما أحب الله، فمحبتهم، والاجتماع معهم يؤدي إلى محبة الله ورضوانه، وهم الذين يكونون عن يمين الرحمن، يغشى نورُهُم الناس يوم القيامة، يغبطهم النبيون والشهداء؛ لمنزلتهم عند الله. قال عليه الصلاة والسلام: لما سئل عنهم: «هم رجال من قبائل شتى، يجتمعون على ذكر الله ومحبته» أو كما قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث. والله تعالى أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7